أفاد جنود إسرائيليون بأن القوات المتوغلة في قطاع غزة تطلق النار بشكل عشوائي على المدنيين، وبدون أي ضوابط أو تعليمات، لكنها تلقى تسامحا من جانب الضباط وقيادة الجيش الإسرائيلي. وأكدوا أن جثث الشهداء تبقى منتشرة في الشوارع، ويتم جمعها ونقلها فقط في حال عبور قافلة مساعدات إنسانية. ويبدو أن هذه الممارسات تأتي في ظل منع طواقم الصحافيين من الدخول إلى مناطق كهذه، وفق تقرير تضمن إفادات ستة جنود إسرائيليين شاركوا في اجتياح القطاع ونشره موقع “محادثة محلية” الإلكتروني أمس، الإثنين.
وأكد الجنود أنه لا يوجد ولم تكن هناك سياسة للجيش حول إطلاق النار في غزة، وأن إطلاق النار في أحيان كثيرة يُنفذ بلا هدف محدد، وبشكل عشوائي، وأنه تتم المصادقة على إطلاق نار كهذا أوتوماتيكيا، حتى في حال استهداف مبان.
وأضاف الجنود في إفاداتهم أن إطلاق النار هذا يوصف بأنه “إطلاق نار سليم”، بادعاء أن هذا الوصف يميز بين إطلاق نار ينفذه الجيش وإطلاق نار تنفذه فصائل المقاومة، وأن هذا الوصف تحول إلى إطلاق نار بلا سبب.
وقال الجنود إنه خلال خدمتهم العسكرية في القطاع شاهدوا عددا كبيرا من جثث الفلسطينيين المنتشرة على الأرض، وأن الجيش لم يقم بإخلائها. وأشار أحد الجنود إلى أن الجيش “نظّف” المنطقة من الجثث، فقط لدى دخول قوافل إنسانية تابعة لمنظمات دولية. وتحدث جنديان عن سياسة منهجية لإحراق بيوت الفلسطينيين بعد خروج الجنود منها.
ولفت التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يكشف، منذ الثمانينيات، عن سياسة إطلاق النار، ومنذ الانتفاضة الثانية لا يعطي جنوده تعليمات خطية حول إطلاق النار على الفلسطينيين. وأفاد أحد الجنود الستة بأن “السياسة كانت منح الجنود حرية مطلقة. وكانت التعليمات للجميع أنه إذا كان هناك تهديد، إذا كان هناك شعور بوجود تهديد، فلا ينبغي التفسير وإنما تنفيذ إطلاق نار”.
وأوضح أحد الجنود أنه “إذا اقترب شخص ما، يسمح بإطلاق النار على جسده، وليس في الهواء. ومسموح إطلاق النار على الجميع، طفلة، مسنة، وإذا كان هذا طفلا، ينبغي التفسير. وفي المحصلة، إذا كانت هذه مسنة أو طفلة يتم إطلاق نار بقربها أو على الساق، ونأمل أن تهرب. ومسموح إطلاق النار على مدرسة أو مستشفى بعد المصادقة على ذلك فقط. وسمعنا أقوالا كثيرة مثل ’لا يوجد أبرياء’، ’لماذا لم يهربوا’، “هذه منطقة حرب’، لماذا ليسوا في رفح’” أي لم ينزحوا.
وحسب أحد الجنود، “جميع الرجال في سن 16 – 50 عاما مشتبهين بالإرهاب. يحظر التجول، وأي شخص في الخارج هو مشتبه. وإذا وقف رجل عند النافذة فهو مشتبه. ويتم إطلاق النار عليه”.
وقال جندي إنه في المنطقة التي تواجد فيها تم تحديد “خط أحمر وخط أخضر. ونحن تواجدنا قريبا من محورين يسلكهما الفلسطينيون (لدى نزوحهم) إلى جنوب قطاع غزة، وأحدهما مدني والآخر إنساني. وقوافل المساعد تسير هناك بعد تنسيق مسبق. وعندما لا تكون هناك قوافل، فإن أي أحد يدخل إلى المنطقة الخضراء نوجه الفوهات نحوه. وإذا دخل إلى الخط الأحمر، نقول بالجهاز اللاسلكي إنه انتقل من الخط الأخضر إلى الأحمر. ولا حاجة إلى مصادقة. بالإمكان إطلاق النار”.
وأضاف الجندي نفسه أنه “بدأت معركة، وهرب الناس. وهرب قسم نحو اليسار باتجاه البحر. وهرب قسم نحو اليمين باتجاه الجنود. بعضهم أطفال. وأي أحد اتجه يمينا مات. 15 إلى 20، بعضهم أطفال. وكانت هناك كومة جثث. وأجروا تحقيقا، طرحوا أسئلة من خلال الجهاز اللاسلكي. فليس جيدا للحرب أن مواطنين يموتون. فهذا سيصل إلى الخارج”.
وقال جندي آخر إنه “يتم إطلاق نار بكثافة، وبلا سبب أيضا، أي أحد يريد أن يطلق النار، وليس مهما السبب. يطلق النار وبعد ذلك يطلع الضباط أن هذا كان إطلاق نار سليم. والهدف من إطلاق النار هو ’إيقاظ المنطقة’، إخراج أشخاص من مخابئ أو إظهار وجود”.
وأضاف أن إطلاق النار العشوائي “يأتي من أعلى ومن أسفل: سفن سلاح البحرية، دبابات، طائرات، وكذلك بالأساس من بنادق، كل ما يأخذه جندي عادي ويطلق النار منه”.
وقال ضابط في إفادته في التقرير، إنه “بشكل عام، كان الشعور في غرفة الحرب أنه يتم إطلاق النار أولا، وبعد ذلك يطرحون أسئلة. هذا هو الإجماع”. وأضاف أن الضباط لم يتلقوا تعليمات واضحة حول إطلاق النار. “ومنذ أن دخلنا (إلى القطاع) لم تكن هناك إحاطة في أي مرحلة. لا نتلقى تعليمات من الفرقة العسكرية أو قيادة المنطقة، ولا ينقل أي شيء إلى الجنود أو إلى قادة الكتائب. وكانت هناك تعليمات بعدم إطلاق النار على المحاور الإنسانية”.
وأضاف الضابط أنه يعلم بحالات تم فيها إطلاق النار على فلسطينيين دخلوا إلى “منطقتنا. وتلقينا تقرير حول إطلاق نار على شخص غريب. هذا تقصير. لا يفترض أن يتواجد مدنيون في هذه المنطقة، ليس هناك مدنيون، هذا هو المفهوم. رصدنا شخصا عند النافذة، فأطلقوا النار عليه، وتمت تصفيته”.
وتابع أن “الأجواء العامة كانت أن لا أحد يذرف دمعة إذا أنزلنا (قصفنا) منزلا بدون ضرورة، وإذا أطلقنا النار على شخص لم تكن هناك ضرورة لإطلاق النار عليه. وكان الشعور في غرفة الحرب، وهذا ادعاء معقد، أن أي شخص قتلناه، هو مخرب تمت تصفيته”.
وأشار الضابط إلى أن “إطلاق نار على مستشفيات، عيادات، مدارس، مؤسسات دينية، مبان لمنظمات دولية، يحتاج إلى مصادقة من الفرقة العسكرية أو من هيئة الأركان العامة. لكن فعليا، بإمكاني أن أعد على أصابع يد واحدة حالات قالوا لنا فيها ألا تطلقوا النار. والشعور هو أن هذا يبدو رسميا وحسب. والأجواء كانت أن ما هو ضروري سيصادق عليه، لا تكترث”.
وشكك الضابط في المعطيات التي ينشرها الجيش الإسرائيلي حول عدد الشهداء بين مقاتلي حماس : “عندما نقدم تقريرا حول عدد الذين قتلناهم في اليوم الأخير، اعتبرنا أي شخص قتلناه أنه مخرب. والهدف كان تعداد إكسات، كم نفذنا اليوم. وأي أحد يريد أن يظهر أنه ’أبو علي’ و’أننا صفينا’. وكان المفهوم أن جميع الرجال مخربون”.
وأضاف أن خطاب الانتقام كان واسعا جدا في الجمهور الإسرائيلي. “لم تكن أوامر مباشرة بالانتقام. لكن عندما نصل إلى القرارات، التعليمات، الأوامر والأنظمة فإنها تؤثر حتى نقطة معينة. وأذكر أقوالا كثيرة مثل ’وزعوا سكاكر’ و’رقصوا’ بعد 7 أكتوبر، أو ’انتخبوا حماس’. وقالوا إنه لا يوجد غير ضالعين في القتال، يوجد غير مسلحين. ولم يكن كثيرون، ولكن ليس قلائل أيضا، الذين اعتقدوا أن طفل اليوم هو المخرب في المستقبل”.
وأفاد أحد الجنود بأنه “تتجول كلاب، أبقار، خيول، نجوا من القصف. ولا مكان يذهبون إليه. ولا يمكننا إطعامهم ولا نريد أن يقتربوا. وأن ترى بين حين وآخر كلابا تتجول مع أشلاء جثث متعفنة ومنهوشة. توجد رائحة موت صادمة”.
ووصف الجندي نفسه كيف يخلي الجيش جثث الشهداء المنتشرة في المنطقة. “تتوجه (جرافة) دي-9 مع دبابة، وتخلي المنطقة من الجثث، وتدفنها تحت الأنقاض، لئلا ترى قوافل المساعدات هذا، كي لا تخرج صور لأشخاص في مراحل تعفن متقدمة”.
وأضاف أنه “شاهدت مواطنين كثيرين – عائلات، نساء، أطفال. ويوجد قتلى فلسطينيون أكثر من تذكر التقارير. وكنا نتواجد في منطقة صغيرة. وقُتل مواطن أو اثنان يوميا. هم ساروا ببساطة في منطقة يحظر السير فيها. وليس بإمكاني القول من المخرب ومن ليس كذلك، لكن معظمهم لم يحملوا سلاحا”.
وأفاد الجندي بأنه بعد خروج القوات من منزل “يحرق قائد سرية أو نائبه المنزل. ووصل الوضع في مرحلة معينة إلى أن سرية واحدة أحرقت مئات المنازل. وكانت هناك حالات أحرق فيها الجنود طابقا كاملا”.
وقال جندي آخر إنه “دمرنا وفق مشيئتنا. وفي معظم الأحيان لم يكن هذا انطلاقا من الرغبة بالتدمير، وإنما انطلاقا من لا مبالاة مطلقة حيال أي شيء يعود للغزيين”.