جدّد رئيس سابق لمجلس الأمن القومي في إسرائيل، غيورا آيلاند، انتقاداته وتحذيراته لتل أبيب بأنها لن تنتصر على “حماس”، بعدما وقعت في حفرة إستراتيجية تزداد عمقاً مع الأيام، ومن غير المؤكد ما إذا كانت ستعرف كيف تخرج منها، مشدداً على أنها ارتكبت ثلاثة أخطاء.
👈 الرجاء تابعونا على تلجرام ليصلكم كل جديد اضغط هنا 👉
ويقول غيورا آيلاند، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إنه حتى تلك العروض الفاخرة التي عرضها نتنياهو في مؤتمره الصحافي لا يمكنها إخفاء الواقع الصعب، فإسرائيل وقعت في حفرة إستراتيجية تزداد عمقاً. ويتساءل كيف وصلنا إلى هذا الوضع، وبتنا نحارب على سبع جبهات من دون أن ننجح في تحقيق النصر في أيّ منها! ويعتبر أن الحدث المؤسّس لهذا كله، طبعاً، هو ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن بعده مباشرة، تبنّت إسرائيل ثلاثة قرارات إستراتيجية خاطئة، تمثّل الخطأ الأول في تبنّي السردية التي تقول إننا نحارب في غزة ضد تنظيم “إرهابي”.
ويضيف: “ما حدث هو أن دولة غزة، التي تأسست فعلياً سنة 2007، شنّت حرباً ضد دولة إسرائيل. وفي الحرب بين الدول، من الصواب استخدام التفوق النسبي على العدو، وتفوُّقنا لا يتمثل في الجانب العسكري، بل في القدرة على خنق الطرف الآخر اقتصادياً”. طبقاً لآيلاند، يتمثّل الخطأ الثاني في تبنّي شعار “الضغط العسكري فقط”… ومَن تبنّى هذه الفكرة لا يدرك طبيعة الحروب في القرن الواحد والعشرين، لأن العنصر الأهم في حروب اليوم هو السكان.
ويتابع: “تدرك “حماس” ذلك جيداً بينما لا نفهمه نحن. بينما من على شاكلة السنوار لا يخشون الضغط العسكري، ولا يتأثرون بعدد القتلى في صفوفهم. السنوار، مثل لويس السادس عشر والقيصر الروسي، يخشى من أمرين فقط: وجود بديل سلطوي، ومن جموع جائعة وغاضبة. إسرائيل أهملت بذل الجهود على هذين الصعيدين. هذا ما يقودنا إلى الخطأ الثالث: عندما سأل الرئيس بايدن نتنياهو في تشرين الأول/أكتوبر عن “اليوم التالي للحرب”، كرّر نتنياهو أخطاء كلٍّ من بيغن، وشامير، ورابين، وبراك، وشارون، إذ قال كل واحد منهم، بطرق مختلفة، لكن برسالة مشابهة: مشكلة الفلسطينيين هي مشكلتنا نحن، ونحن مَن يحلّها”.
اليوم التالي بدون “حماس”
ويقول آيلاند إنه، في تشرين الأول/أكتوبر، كان لدى إسرائيل فرصة نقل المشكلة إلى ساحة أُخرى، ولم يكن يترتب علينا سوى القول: في “اليوم التالي”، لن يكون هناك حُكم لحركة “حماس” في غزة، لكن أيضاً، لن يكون هناك إدارة عسكرية إسرائيلية.
ويضيف: “الآن، إسرائيل مستعدة لإجراء حوار مع الدول العربية والدول الغربية، على أن يتم قبول أيّ حلّ يضمن أن تكون غزة منزوعة السلاح”.
ما الذي كان علينا فعله؟
حول هذا السؤال، يوضح الجنرال الإسرائيلي في الاحتياط أنه كان من المفترض أن تحسم جلسة الكابينيت، في نهاية آب/أغسطس، بين إستراتيجيتَين، الأولى: الموافقة على صفقة الأسرى، بكل ما تنطوي عليه من تنازلات مؤلمة. الفائدة من ذلك: استعادة الأسرى، وقف الانقسام الشعبي، وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما يفتح الباب لتسوية في الشمال، يسمح بتركيز الجهود على الضفة الغربية التي تشكّل، اليوم، تهديداً أكبر من غزة، وبالإضافة إلى ذلك، إنها فرصة لتحسين مكانة إسرائيل في العالم، واستقرار الاقتصاد.
ويرى أن الخيار الثاني هو التنازل عن الصفقة ومواصلة القتال في غزة، وعن ذلك يقول: “يدّعي مؤيّدو الخيار الثاني أن هذا سيؤدي إلى تحقيق “النصر الكامل”، وهنا يكمن الخطأ، فاستمرار الحرب بالطريقة التي نديرها منذ 11 شهراً لن يؤدي إلى النصر، بل إلى أسوأ النتائج: سيموت الأسرى، وسنفقد فوائد إنهاء الحرب في غزة، ولن ننتصر”.
آيلاند، الذي سبق أن دعا للتعامل مع “حماس” كدولة، ولتجميع المدنيين في القطاع دون رحمة، ولتدمير لبنان، وعدم حصر الحرب بـ “حزب الله”، يؤكد أيضاً اليوم أنه لا يمكن الانتصار في غزة ما دامت “حماس” تتمتع بأربع ميزات: دخول المساعدات إلى غزة بكميات تهدئ السكان، مسؤولية “حماس” عن توزيع المساعدات، وهو ما يعزز مكانتها السلطوية، قدرة “حماس” على بيع المساعدات بأسعار مرتفعة ليزداد ثراؤها أكثر بهذا المال، ستعرف “حماس” كيف تجنّد مزيداً من المقاتلين للحلول محل مَن قُتلوا”.
من هنا يستنتج آيلاند أنه يتعين حتى على مَن يختار الخيار الثاني (مواصلة الحرب مع التخلي، فعلياً، عن استعادة الأسرى) وضع إستراتيجيا مختلفة، تستهدف جميع الميزات التي تتمتع بها “حماس”.
تهجير سكان شمال القطاع
ويقول إن أحد الخيارات التي كان من الأفضل تنفيذه قبل عشرة أشهر هو السيطرة الكاملة على شمال القطاع.
ويتابع: “يحاصر الجيش الإسرائيلي شمال القطاع منذ تشرين الثاني/نوفمبر، يجب على إسرائيل أن تعلن لـ300 ألف من السكان المتبقّين في هذه المنطقة ضرورة الانتقال جنوباً خلال أسبوع. بعد ذلك، سيتم وقف دخول أي إمدادات إلى هذه المنطقة. سيكون أمام 5000 مقاتل من “حماس” ثلاثة خيارات: الاستسلام، أو الموت جوعاً، أو استغلال الممرات المخصصة لخروج المدنيين والهرب. في كلتا الحالتين، خلال بضعة أشهر، لن يبقى عدو هناك”.
طبقاً لهذه المقترحات الوحشية، سيحدث بعدها أحد أمرين: إمّا أن تفقد “حماس” هذه المنطقة، ما دامت الحرب مستمرة، أو سيكون من الممكن تنسيق دخول قوات عربية، أو دولية، لتولّي مسؤولية منطقة خالية من “حماس”.
ويمضي في مزاعمه، غير آبه بحياة المدنيين من نساء وأطفال تم تكديسهم داخل علبة كبريت في جنوب القطاع منذ شهور: “نعم، ما يُقترح هنا يتوافق تماماً مع القانون الإنساني الدولي. يُسمح باستخدام الحصار لتجويع العدو، بشرط توفير ممرات خروج آمنة للسكان”.
احتلال القطاع
ويرى آيلاند أن مَن يعتقد أن هذه الفكرة سيئة يمكنه اقتراح شيء آخر، بشرط ألّا نبقى عالقين في النهج الحالي الذي لا يضمن عقد صفقة أسرى، ويفترض أن الضغط العسكري وحده سيؤدي إلى النصر.
وهو يأسف لأن الكابينيت لم يناقش، فعلياً، أيّ خيار من الخيارين، وبدلاً من ذلك، استغل رئيس الوزراء قضية فيلادلفيا، وطلب من الكابينيت التصويت على هذه المسألة الثانوية فقط. ويشير قرار الحكومة بشأن محور فيلادلفيا، إلى جانب رغبة رئيس الوزراء في أن يكون الجيش هو الذي يوزع الطعام على السكان، إلى أن نتنياهو لا يريد فقط عدم التوصل إلى صفقة أسرى، بل أيضاً لا يريد الانتصار على “حماس”، بل إنه يريد إعادة سيطرة إسرائيل على قطاع غزة، تماماً حسبما يطلب سموتريتش وبن غفير.
ويختتم آيلاند بالقول: “هذا هو الخيار الثالث، الأسوأ، والذي اختارته الحكومة. استمرار هذا التوجه سيُغرق البلد في حفرة أعمق وأعمق، ومن غير المؤكد ما إذا كنا سنعرف كيف نخرج منها”.